مرّ يومان على حدوث حملة اعتقالاتٍ على أعلى مستوى شهدته السعودية في تاريخها محمد بن سلمان.
ولكن لم يُقدَّم محمد بن سلمان أي تفسيرٍ رسمي لها بعد ان علمت وكالة Bloomberg الأمريكية أنَّ هيئة البيعة السعودية.
وهي مجموعة تصوّت على أمور خلافة المُلك في السعودية، قد أُخطِرت بأنَّ الأمير أحمد بن عبدالعزيز
(الشقيق الحيّ الوحيد للملك سلمان بن عبدالعزيز)
والأمير محمد بن نايف (وهو ولي عهد سابقاً ومسؤولٌ ذو علاقةٍ وثيقة بجهاز الأمن الأمريكي)
كانا يخططان لانقلابٍ على الحُكم في السعودية
وإن تمّ، كان ذلك الانقلاب سيكون أقوى تحدٍّ مباشر يواجهه ملكٌ سعودي في التاريخ.
ويفوق حجم الحادثة التي سبقته عام 1969.
وعندما أُحبِطت محاولةٌ من قِبل ضبَّاطٍ بسلاح الجو السعودي لإسقاط النظام الملكي قبل أن ترى النور. يتوقَّع المرء في هذه الظروف.
إذن أن يخاطب الملك سلمان أو ولي عهده، محمد بن سلمان، الشعب السعودي والمجتمع الدولي بحديثٍ مطمئن. وهذا لم يحدث إلى الآن.
حتى وقت كتابة هذا المقال، أُطلِق سراح بعض الشخصيات المهمة التي اعتُقلَت. لكن يظل الأميران الأبرز في هذه القصة رهن الاحتجاز.
خمَّنت الشائعات الدائرة في الرياض كل سببٍ محتمل للتحوُّل الدرامي الخطير الذي شهدته نهاية الأسبوع الماضي. هل سئم محمد بن سلمان.
وكانت ذالك ببساطة، من الآخرين لأنَّهم كانوا يعيبونه باستمرار في التجمُّعات العائلية الملكية؟.
هل يبعث برسالةٍ واضحة إلى بقية آل سعود بأنَّه لن يسمح بأية معارضة؟
أيكون ولي العهد يتخلَّص من مراكز السُّلطة البديلة استعداداً لترقّيه للعرش، لا أكثر؟
أم هل كان الأمراء يخطّطون فعلاً للتصدّي لاعتلائه العرش؟
دارت حتى تخميناتٌ بأنَّ حملة الاعتقال قد جاءت بعد أن لازم الملك سلمان (84 عاماً)، فراش الموت.
وقد دفع هذا الديوانَ الملكي السعودي إلى نشر صورٍ وفيديو يظهر فيها الملك السعودي بصحةٍ جيدة.
من شأن غياب الوضوح من جانب المؤسسات الرسمية السعودية فيما يخص أحداثاً ذات أهمية وطنية وعالمية،
ان يقلق الحكومات الأجنبية والمستثمرين الأجانب بقدر ما يدعو إلى قلق السعوديين،
وهو أمرٌ تبرز أهميته الآن بعد أن شنَّت الرياض حرباً على أسعار النفط، مجبرةً سعر نفط خام برنت على التراجع.
وصولاً إلى مبلغ 31 دولاراً للبرميل صباح يوم الإثنين 9 مارس/آذار، ومثيرةً الذعر في الأسواق العالمية.
وبحلول هذه الأحداث، طفت شائعةٌ جديدة: كان القصد من موجة الاعتقالات إحباط أي تذمُّر ملكي حيال أسعار النفط
وأثرها على الاقتصاد السعودي لم تكن الشفافية من مَواطن قوة محمد بن سلمان قط،
وقد تعرَّض موقفه الدولي لعدة ضرباتٍ سببتها سلسلة من القرارات المندفعة وغير المدروسة.
كانت القسوة المعروفة عن وليّ العهد تنزع إلى أن تعتّم على مواقفه الإصلاحية.
إذا ظلَّت اعتقالات نهاية الأسبوع الماضي دون تفسير، فسوف تزداد هذه الصورة تجذراً.
ولن يكون من السهل إقناع العالم بأنَّ انقلاباً كان على وشك الحدوث.
ففي نهاية الأمر، يُحكم محمد بن سلمان قبضته على المؤسسات الأمنية الكبرى.
وذالك في المملكة: الجيش، وجهاز الاستخبارات، والحرس الوطني.
وقد فرَّغ محمد بن سلمان منذ زمنٍ، الحكومة السعودية من أي أفرادٍ من العائلة الملكية أو مسؤولين في أي منصبٍ يسمح لهم بمعارضته.
وقبل أشهرٍ من إعلانه ولياً للعهد، أمر محمد بن سلمان باحتجاز عشرات من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين.
لم يُطلِق سراح عديد من المحتجزين إلَّا بعد تسليمهم حصصاً كبرى من ممتلكاتهم -من أراضٍ، و أموال، وحصصٍ في الشركات- للحكومة السعودية.
ومنذئذٍ، لم يترك ولي العهد مساحةً للمعارضة السعودية، سواء في الدوائر الملكية أو بين صفوف الشعب سُجِن نشطاء حقوق الإنسان
وحقوق المرأة دون محاكمات، وتعرَّض نقَّاد محمد بن سلمان في الخارج للتهديد.
ونرى كذلك الأثر المروّع لجريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي:
وقد قال محقق تابع للأمم المتحدة وإنَّ محمد بن سلمان يتحمّل على الأقل قدراً من مسؤولية مقتله، وتعتقد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أنَّه هوَ من أمر بمقتل الصحفي.
لا يبدو أنَّ الأميرين المتصدّرَين اعتقالات يوم الجمعة 6 مارس/آذار، كانا في موقعٍ يسمح لهما بخلع محمد بن سلمان. كان محمد بن نايف، سَلَف محمد بن سلمان في منصب ولي العهد، يتحكَّم يوماً في مقاليد عديدة بالدولة، ولكن تحدَّدت إقامته في أغلب الأمر بقصره على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة. وقد عاد الأمير أحمد، شقيق الملك، لتوّه إلى المملكة العام الماضي، بعد قضاء فترةٍ طويلة منفياً في لندن. ولا يتمتّع الأمير أحمد بأية سلطةٍ فعلية في البلاد.
ونظراً إلى ظروفهم من السُّلطة المتضائلة، كان هذان الرجلان سيحتاجان جماعةً كبيرة من المتآمرين لمحاولة إسقاط الملك سلمان وولي عهده. ويمكن تصوُّر أنَّ حملة الاعتقالات التي شهدتها نهاية الأسبوع الماضي، تُنذر بأن تليها حملة قمعٍ على نطاقٍ أوسع. قد لا تتضمَّن آليات الشفافية، غير أنَّه من مصلحته -ومصلحة المملكة السعودية والعالم أجمع- أن يجعل عملية التصدّي للمعارضة هذه المرة معروفة للعلن.
المصدر:moccae
التعليقات